ما هو القرار المناسب للاستثمار مع اضطراب أسواق المال؟

(نُشر هذا المقال على منصة فوربس الشرق الأوسط في يوليو 2022)

انخفضت أسواق الأسهم الأميركية بأكثر من 20% خلال العام حتى وقت كتابة هذا المقال، وجاء الانخفاض في توقيت بالغ السوء؛ فقد بلغ التضخم في الولايات المتحدة حاليًا أعلى مستوى له منذ 40 عامًا.

وفي الوقت نفسه، فإن سوق العملات المشفرة المختلفة والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) تتراجع بسرعة كبيرة، وذلك على الرغم من حقيقة أن العملات المشفرة تباع باستمرار على أنها “تحوّط ضد التضخم”.

فيما لا تزال أفضل حسابات الادخار ذات العائد المرتفع تكسب فقط ما يزيد قليلاً عن 1%.

إذا كنت تُولي مواردك المالية اهتمامًا، فأنت تعلم بالفعل أن كل الأخبار بشأن الأسواق هي تقريبًا أخبار سيئة في الوقت الحالي. وما يزيد العبء على المستهلكين والمستثمرين على حد سواء هو أنه لا أحد يعرف متى ستتعافى الأسواق.

الاستثمار بثقة في هذه الأوقات المضطربة

ورغم كل ما تقدم ذكره، فقد جنى الكثير من الأشخاص ثروات طائلة في مثل الأوقات العصيبة. عندما انخفض مؤشر داو جونز الصناعي إلى ما يزيد قليلاً عن 20 ألف خلال مارس/ آذار من عام 2020، عندما كنا في خضم أحلك أيام الجائحة، شهد المستثمرون الذين اشتروا أسهمًا خلال تلك الفترة وفي الأشهر التالية ارتفاع مؤشر داو جونز إلى أكثر من 33 ألف بنهاية مارس/ آذار 2021. وهو ما يعني أنك إذا استثمرت خلال بداية جائحة كوفيد-19، فقد حققت عائدًا بأكثر من 50% على مدار عام واحد فقط.

وحتى الآن، لا يزال مؤشر داو جونز فوق 31 ألف (حتى كتابة هذا المقال).

الحقيقة هي أن الاستثمار في سوق الأسهم دائمًا ما كان متقلبًا، ولكنّ هذا التقلب أضحى أكثر وضوحًا في العصر الحالي أكثر من غيره، وفقًا للكاتب المساهم بفوربس، روبرت فارينغتون.

إذًا، كيف يمكنك أن تظل واثقًا في خطتك عندما يشهد مجال الاستثمار هذا النوع من التقلب والتراجع؟

فيما يلي آراء بعض المستشارين الماليين وأفكارهم بشأن أفضل السبل للتحلي بالهدوء والبقاء على المسار الصحيح خلال أوقات عدم الاستقرار في السوق.

النظر إلى البيانات

تقول المستشارة المالية ميلاني سيمونز، الرئيسة التنفيذية لشركة  ReFrame Wealth، إن النظر إلى بيانات الاستثمار التاريخية يمكن أن يحملنا على التفاؤل بشأن الأوضاع التي تمر بها الأسواق الآن.

تقول سيمونز إنه من الطبيعي أن تحاول تفادي الخسارة، لكن بعض الحسابات السريعة التي تتضمن الاحتمالات والعائد ستجعلك تدرك حجم الضرر الحقيقي الذي تسبب فيه السوق.

تضيف سيمونز أنه عندما تنخفض الأسواق بنسبة أكثر من 20%، قد يكون من السهل أن تتساءل كيف ستعوّض هذه الأموال، “لكننا نادرًا ما نطرح هذه التساؤلات عندما ترتفع الأسواق بنسبة 20% أو أكثر”.

وتنصح سيمونز المستثمرين أنه بدلاً من الشعور بالذعر، يجدر بهم البحث عن البيانات التاريخية لسوق الأسهم أو الاستثمارات الأخرى التي يمتلكونها، وتوضح: “إذا لم يكن لديك إمكانية استخدام الآلات الحاسبة أو البرامج، فلتستعين بمستشار مالي”.

لا تحدد وقتًا للسوق

وفقًا للمستشار المالي بشركة Betterment، أندرو ويستلين، فإن محاولة تحديد وقت للسوق تعد واحدة من أكبر الأخطاء التي يرتكبها المستثمرون خلال أوقات اضطراب الأسواق.

بعبارة أخرى، قد يحاول المستثمريون شراء الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى عندما يصل سعرها أدنى مستوياته لبيعها عندما تبلغ أعلى مستوياتها، وهو أمر قد يكون من الصعب تنفيذه على أرض الواقع.

إذ إن محاولة تحديد وقت للسوق يمكن أن تعني أيضًا بيع الاستثمارات قبل أن تصل إلى أدنى مستوى لها لتجنب الخسائر الكبيرة، ثم إعادة الشراء في الوقت المناسب تمامًا.

ويوضح ويستلين: “إنه أمر صعب للغاية لأنه عليك أن تكون مُصيبًا مرتين؛ عندما تبيع وعندما تشتري”.

التزم بخطتك

إذا كانت لديك استراتيجية استثمار مدروسة بعناية، فمن المرجح ألا تقلق بشأن ما إذا كانت السوق آخذة في الارتفاع أو الانخفاض في هذا العام، أو العام المقبل، أو في أي وقت في المستقبل، وفقًا للكاتب المساهم بفوربس، روبرت فارينغتون. أما إذا لم يكن لديك خطة استثمار، فقد حان الوقت ولضع خطة أو التواصل مع مستشار مالي للحصول على المساعدة.

توضح المستشارة المالية إيريكا أرويو بشركة MA Private Wealth، أن المستثمرين والمدخرين المتقاعدين الذين يساورهم القلق بشأن انخفاض أرصدتهم، يجب عليهم تقييم استراتيجيتهم أولاً وقبل كل شيء، “لأن الاستراتيجية مهمة للغاية سواء كان السوق في مسار تصاعدي أو تنازلي أو في حالة ثبات”.

وتشير أرويو إلى أن شركتها تحظى بمحفظة مصممة بعناية ومتنوعة بين العديد من فئات الأصول وتُجري تعديلات تكتيكية إذا لزم الأمر، وتضيف: “ضع خطة ذكية لتنفيذها بحيث يمكنك أن تطمئن إلى أن استثماراتك في أمثل حال كي تناسب تقلبات السوق”.

لا تتوقف عن الاستثمار

توضح المستشارة المالية بشركة ProPath Financial، تاتشر تايلور، أن الكثير من الأشخاص يتوقفون عن زيادة استثماراتهم أو حسابات التقاعد عندما تتراجع الأسواق. إذ إنهم لا يريدون رؤية مساهماتهم الجديدة تنخفض قيمتها أكثر من ذلك، لذلك يتوقفون عن تعزيزها وينتظرون حتى تتعافى الأسواق.

تصف تايلور هذا بالخطأ الفادح لعدة أسباب، أهمها أن انخفاض الأسواق يوفر فرصة استثنائية لشراء الأسهم والأوراق المالية الأخرى عندما تكون معروضة للبيع. وتقول: “هذا هو الوقت الذي يمكنك فيه شراء أصول كبيرة بسعر رخيص”.

تضيف تايلور أيضًا أن التقاعد يمكن أن يكون بعد عقود، وأن الأشخاص يعيشون لفترة أطول بشكل عام، “لا بد من التفكير على المدى الطويل فيما يتعلق بما يقدمه السوق، وليس المبالغة في رد الفعل في الأوقات المضطربة مثل الوقت الحالي”.

ركّز على ما يمكنك التحكم فيه

أخيرًا، ينصح المستشار المالي بشركة O’Keefe Stevens Advisory، جاستن ستيفنز، بعدم التحقق من أرصدتك كل يوم وقضاء وقتك وطاقتك في فعل شيء يمكن أن يؤتي ثماره، ويقول إنه من الذكاء للمستثمرين التركيز على الأنشطة اليومية بدلاً من النتائج في أي وقت، ولكن بشكل خاص في الوقت الحالي. على سبيل المثال، ينصح ستيفنز بالتأكد من أنك تدخر وتستثمر نسبة كبيرة من إجمالي راتبك، فإذا لم تكن كذلك، فإن الوقت الحالي مثالي لتقييم دخلك وحجم إنفاقك الشهريين بهدف إيجاد أموال إضافية لاستثمارها. ويوضح بقوله: “إذا كنت تدخر في خطة الادخار التي يرعاها صاحب العمل، ركز على عدد الأسهم التي تشتريها، وليس المبلغ الذي تنفقه”. ويوصي أيضًا بالتأكد من وجود خطة استثمارية يمكنك الالتزام بها، مضيفًا: “نقطة الانطلاق الجيدة هي أن تعرف بالضبط المبلغ الذي ستحتاجه للتقاعد في تاريخ محدد في المستقبل”.

وإذا كنت تبحث عن أداة يمكن أن تساعدك، فجرّب بعض الوسائل باستخدام حاسبة الفائدة المركبة على موقع Investor.gov. إذا انخفض معدل العائد بين 5-8%، كما يقول ستيفنز، فلا داعي على الأرجح لإجراء تغييرات على خطتك الخاصة بالادخار. إذا اكتشفت أن العائد الذي ستحتاجه للوصول إلى أهدافك أعلى من ذلك، فإن زيادة معدل مدخراتك خلال سوق هابطة قد يكون وقتًا مناسبًا للعودة إلى المسار الصحيح.

يقول ستيفنز: “بغض النظر عما يحدث في السوق على مدار العام، فإن المدخرين والمستثمرين الذين يركزون على ما يمكنهم التحكم فيه سيكونون أفضل حالًا من أولئك الذين ينصب تركيزهم على نتائج السوق”.