كيف سيؤثر كأس العالم في الاقتصاد القطري؟

(نُشر هذا المقال على منصة فوربس الشرق الأوسط في نوفمبر 2022)

 

ينطلق كأس العالم لكرة القدم، قطر 2022 يوم الأحد المقبل 20 نوفمبر، في أول نسخة تستضيفها دولة في منطقة الشرق الأوسط.

ورغم الهجوم الأخير من بعض وسائل الإعلام الغربية على قطر، يبدو أن الدولة الخليجية قد أكملت استعداداتها لاستضافة “نسخة استثنائية” من كأس العالم، حسبما صرّح الرئيس التنفيذي للجنة العليا للمشاريع والإرث القطرية، المسؤولة عن تنظيم الحدث العالمي.

200 مليار دولار

أنفقت قطر نحو 200 مليار دولار على البنية التحتية ومشاريع تنموية أخرى منذ فوزها باستضافة كأس العالم، وفق لتقرير لشركة ديلويت نقلته بلومبيرغ. وأنفقت 6.5 مليار دولار من ذلك الاستثمار الضخم على تشييد ثمانية استادات للبطولة، وفق الموقع الرسمي للجنة العليا للمشاريع والإرث، بما فيها استاد الجنوب الذي صممته المهندسة المعمارية الراحلة زُها حديد. كما أنفقت الدوحة مليارات الدولارات لبناء خط مترو الأنفاق، وتوسعة مطار حمد الدولي، وإنشاء طرق وبنية تحتية أخرى استعدادًا للبطولة.

انتعاش سياحي

تشير مبيعات تذاكر مباريات كأس العالم إلى أن نحو 1.5 مليون سائح سيزورون قطر للمشاركة في كأس العالم، وفق ما أشار موقع لجنة المشاريع والإرث القطرية. وإذا أقام كل زائر لمدة 10 أيام في قطر وأنفق 500 دولار في اليوم، فإن الإنفاق لكل زائر سيصل إلى خمسة آلاف دولار، وقد يشكل ذلك دفعة بقيمة 7.5 مليار دولار للاقتصاد القطري في هذا العام، حسب شركة الأبحاث كابيتال إيكونوميكس التي تتخذ من لندن مقرًا لها.

وكانت هيئة قطر للسياحة قد أعلنت عن افتتاح أكثر من 20 فندقًا ومنتجعًا ووجهة سياحية جديدة في البلاد مؤخرًا في إطار الاستعدادات لاستقبال السياح والزوار والمشجعين.

إلا أن الحكومة القطرية، على ما يبدو، تنظر إلى أبعد من الحدث الرياضي الأبرز في العالم، وترمي إلى الاستفادة من هذه المرافق والوجهات في تعزيز السياحة في قطر خلال السنوات المقبلة. إذ كشفت الهيئة أن قطر تتطلع إلى أن تصبح وجهة سياحية عالمية، وتستهدف زيادة عدد الزائرين إليها إلى 6 ملايين شخص بحلول عام 2030.

مبيعات التذاكر

باع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” 2.89 مليون تذكرة لحضور مونديال قطر 2022، وفق ما كشف في مؤتمر صحفي قبل مدة قصيرة.

وكانت الدول العشر الأكثر شراءً للتذاكر المباعة هي: قطر، والولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإنجلترا، والمكسيك، والإمارات العربية المتحدة، والأرجنتين، وفرنسا، والبرازيل، وألمانيا، حسبما أوضح فيفا في مؤتمره الصحفي.

وتبدو قطر مستعدة لاستيعاب هذا العدد الكبير من الزوار، إذ أشار المدير العام للجنة المنظمة لكأس العالم، ياسر الجمل، إلى أن أكثر من مليون غرفة إقامة قد حُجزت بالفعل، ولدى قطر 50 ألف غرفة إضافية لاستيعاب مبيعات التذاكر في اللحظة الأخيرة. كما أن البلدان المجاورة لقطر، مثل الإمارات والبحرين، ستستضيف الآلاف من المشجعين الذين سيسافرون إلى الدوحة فقط لحضور المباريات.

آثار فورية

ستُحدث استضافة كأس العالم آثارًا إيجابية فورية على قطر، في الربع الرابع من عام 2022، من منظور نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وميزان المدفوعات من خلال زيادة الاستهلاك، والإنفاق الحكومي وصادرات الخدمات، وفق شركة الأبحاث Fitch Solutions التابعة لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني.

من ناحية أخرى، سيؤدي الارتفاع الكبير في عدد الوافدين إلى قطر خلال فترة استضافة البطولة، حسب شركة الأبحاث، إلى ضغوط كبيرة على الطلب على الإقامة، ما يُسهم في ارتفاع معدلات التضخم، وسيتطلب زيادة كبيرة في واردات السلع، بما فيها المواد الغذائية والمشروبات، فضلًا عن انخفاض حجم الغاز الطبيعي المسال المتاح للتصدير.

وسيكون مصدر التأثير الأبرز لكأس العالم من زيادة عدد الزوار الأجانب. إذ قدّرت السلطات القطرية العدد المتوقع للزائرين خلال البطولة بما يصل إلى 1.5 مليون زائر. وبذلك ستكون قطر – بفضل كأس العالم – والإمارات العربية المتحدة – بفضل تنظيم معرض دبي إكسبو – الدولتين الوحيدتين في مجلس التعاون الخليجي اللتين سيرتفع فيهما عدد السياح الوافدين في 2021- 2022 إلى أرقام تتجاوز مستويات ما قبل جائحة كوفيد في 2019، وفق شركة الأبحاث التابعة لوكالة فيتش.

تعزيز الإيرادات

ستؤدي بطولة كأس العالم إلى زيادة الإيرادات العامة لدولة قطر عبر العديد من القطاعات من خلال زيادة الإنفاق من قبل الزوار والمقيمين والحكومة، حسبما أشارت Fitch Solutions. وستجني قطاعات الفنادق والمطاعم والوجهات الترفيهية وتجارة الجملة والتجزئة فوائد فورية عن استضافة قطر للمونديال.

الفنادق وأماكن الإقامة

كان من المتوقع أن تكون مهمة استيعاب العدد الكبير المتوقع من الزوار الأجانب لحضور كأس العالم تحديًا رئيسيًا لقطر بوصفها دولة مستضيفة. وبمقارنة عدد المشجعين الذي تتوقع لجنة المشاريع والإرث القطرية وصوله إلى البلاد، فإن عدد الوافدين الأجانب إلى قطر سيمثل نحو 50% من سكان البلاد (البالغ عددهم أكثر بقليل من 3 ملايين نسمة بنهاية أكتوبر/ تشرين الأول حسب جهاز التخطيط والإحصاء بدولة قطر)، وذلك مقارنة مع 2.5% من سكان روسيا في نسخة عام 2008 و0.7% من سكان البرازيل في نسخة عام 2014.

وفي حين ستشكل مبيعات الفنادق أكبر مصدر لإيرادات قطر من كأس العالم، إذ أنشات البلاد عشرات الفنادق خصيصًا للمونديال، ستنعكس الإيرادات الإضافية أيضًا في مبيعات قرابة 4 آلاف غرفة في اثنتين من السفن السياحية الفاخرة التي أجّرتها الحكومة القطرية من أجل البطولة، وهما MSC Poesia من فئة الأربع نجوم وMSC World Europa من فئة الخمس نجوم.

فضلًا عن ذلك، سيكون أحد مصادر الإيرادات الأخرى نحو ألف خيمة على الطراز البدوي بُنيت خارج حدود مدينة الدوحة.

بمقارنة الإنفاق لكل سائح قادم مباشرة قبل البطولة (باستخدام الصادرات الخدمية) مع توقعات عدد السياح المتوقع وصولهم، تشير Fitch Solutions إلى أن حجوزات الفنادق المرتبطة بالبطولة ستضيف 1.7 مليار ريال قطري (نحو 470 مليون دولار) من الإيرادات الإضافية في الربع الرابع من عام 2022.

قطاع البيع بالتجزئة

سيكون للبطولة أيضًا تداعيات إيجابية على قطاع التجزئة، الذي يمثل نحو 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر، وفقًا لبلومبيرغ.

وبالمقارنة مع بيانات نسخة كأس العالم التي نظّمتها روسيا، تتوقع Fitch Solutions أن يعزز مونديال 2022 المبيعات في متاجر الملابس (بلغت إيرادات القطاع 13.6% من إجمالي الإيرادات الأجنبية خلال مونديال روسيا)، ومتاجر السلع الرياضية (12.9% في روسيا)، ومحلات السوبر ماركت (9.8% في روسيا)، وغيرها من مراكز البيع بالتجزئة المتنوعة.

تتوقع شركة الأبحاث التابعة لوكالة فيتش أن هذه القطاعات ستحقق 4.30 مليار ريال قطري (1.18 مليار دولار) من الإيرادات الإضافية. وفي الوقت نفسه، ستؤدي بطولة كأس العالم أيضًا إلى زيادة إقبال المواطنين القطريين والمقيمين في البلاد على شراء السلع، وبخاصة أولئك الذين يعيشون في الدوحة الذين سيستفيدون من نشاط التجزئة والترفيه على نطاق واسع في العاصمة.

الفنون والأنشطة الترفيهية

ستعزز البطولة إيرادات الأعمال الفنية والأنشطة الترفيهية التي تمثل 1% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر، وفقًا لـ Fitch Solutions. إذ أعلنت السلطات القطرية عن تنظيم أكثر من 90 فعالية ترفيهية مصاحبة للبطولة، تشمل مهرجان FIFA للمشجعين، ومركز الكورنيش الترفيهي، وأنشطة الرياضات المائية على طول شاطئ رأس أبو عبود.

فاتورة الاستيراد

على الرغم من أن تأثير كأس العالم سيكون إيجابيًا في النشاط الاقتصادي في قطر، فإن البلاد ستشهد بعض التداعيات الأخرى التي ستظهر آثارها على الدولة المستضيفة خلال الربع الرابع من عام 2022. إذ تتوقع Fitch Solutions أن تؤدي الزيادة في عدد السياح الوافدين إلى زيادة ملحوظة في فاتورة استيراد السلع في البلاد، وستكون الزيادة في الواردات مدفوعة في الغالب بارتفاع واردات المواد الغذائية خلال المونديال، وهو أمر ضروري لتوفير المواد الغذائية للأعداد الكبيرة من السكان في الدوحة (تمثل المواد الغذائية نحو 6% من واردات السلع القطرية).

ارتفاع الأسعار

في الوقت نفسه، سيؤدي ارتفاع الطلب أيضًا إلى ارتفاع الأسعار في عدد من المكونات الرئيسية لسلة مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية في قطر، بما فيها المواد الغذائية والمشروبات، والإسكان والمرافق، والنقل، والأنشطة الترفيهية والثقافية.

كما أن ارتفاع الطلب على المواد الغذائية والنقل سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية على جانب العرض والناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت بمنزلة المحرك الرئيسي للتضخم عام 2022 على الصعيد العالمي.

وفي ضوء ذلك، تتوقع Fitch Solutions ارتفاع أسعار السلع الرئيسية في قطر بنسبة 4.4% على أساس سنوي في الربع الرابع من العام، وهي نسبة أعلى بكثير بالمقارنة مع أرقام الربع الرابع للفترة من عام 2013 إلى 2019 البالغة 1.6٪ على أساس سنوي، وفقًا لـ Fitch Solutions.

نمو الناتج المحلي الإجمالي

ستساعد الاستعدادات لكأس العالم والحدث نفسه في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة قطر من 1.5% في عام 2021 إلى 5.2% في عام 2022، وفقًا لشركة فيتش التي تشير إلى أنه في حين أن النشاط التاريخي في الاقتصاد غير النفطي للدولة الخليجية يتباطأ على نحو كبير على أساس ربع سنوي، فإن كأس العالم سيعكس هذا الاتجاه ويجعله أحد أقوى الزيادات ربع السنوية في السنوات الأخيرة.

وتتوقع فيتش أن يرتفع معدّل النمو في الربع الرابع من 2022 إلى 5.3% على أساس سنوي، وهي نسبة أعلى من المتوسط البالغ 3% بين عامي 2012 و2019، وهو ما يعني أن قطر ستسجل أسرع نمو سنوي لها منذ عام 2014.